الأزمة الكورية… تُنذر بأزمات اقتصادية قادمة
2017/10/24م
المقالات
9,929 زيارة
الأزمة الكورية… تُنذر بأزمات اقتصادية قادمة
حمد طبيب
ذكرت فضائية BBC العربية 10- 8- 2017م تصريحًا عن الرئيس الكوري (أن بلاده لديها خطة قد تتضمن إطلاق صواريخ بالقرب من (جزيرة غوام الأميركية) في المحيط الهادئ، وأن هذه ستكون جاهزة قريبًا… وقالت وسائل إعلام حكومية في كوريا الشمالية إن صواريخ من طراز هواسونغ-12 ستطلق لتعبر من فوق أراضي اليابان، وتسقط في مياه البحر على بعد 30 كيلومترًا من جزيرة غوام، وذلك إذا وافق الزعيم (كيم جونغ أون) على الخطة)… وذكرت وكالة أنباء رويترز. 11-8- 2017م، أي بعد التهديد بيوم واحد: (إن مؤشر (داو جونز) الصناعي قد انخفض 75.62 نقطة أو ما يعادل 0.34 بالمائة إلى 21973.08 نقطة، وتراجع المؤشر (ستاندرد آند بورز) 500 بمقدار 10.71 نقطة، أو 0.43 بالمائة، إلى 2463.31 نقطة، ونزل المؤشر (ناسداك المجمع) 40.64 نقطة تعادل 0.64 بالمائة إلى 6311.70 نقطة، وذلك في ظل تهديد كوريا الشمالية بإطلاق صاروخ على جزيرة غوام الأميركية، في المحيط الهادي، مما عزز التوتر بين بيونغ يانغ وواشنطن… ) فهل ستقود هذه الأزمة المتصاعدة هذه الأيام إلى أزمات اقتصادية قادمة بسبب تأثيراتها على أسواق المال والأعمال وعلى التجارة الدولية، وعلى أسواق العملات وخاصة الدولار واليوان؛ كما حصل مع أزمات سابقة؟!.
إن الناظر في تاريخ الأزمات الاقتصادية العالمية الكبيرة؛ التي حدثت- في القرن الماضي أو الحالي – يرى أن الشعلة التي أدت إلى اشتعالها هي أجواء الحرب ونتائجها، أو الأجواء السياسية المشحونة والتهديدات بالحروب… صحيح إن النظام الرأسمالي هو السبب الحقيقي لحصول الأزمات بكافة أشكالها، وهو مهيأٌ في أية لحظة لاشتعال أزمة؛ لأنه قائم على أساس فاسد، وتنبثق عنه أحكام فاسدة… إلا أن الحروب ونتائجها، والأجواء المشحونة، والتهديدات بالحرب بين الدول تكون بمثابة عود الثقاب؛ الذي يشعل كومة القش المهيأة للاشتعال… فأزمة سنة 1929م، وهي ما تعرف (بالكساد الكبير)، كان السبب الرئيس في حصولها هو نتائج الحرب العالية الأولى، وتسريح آلاف العمال، وإغلاق العديد من الصناعات الكبرى الثقيلة، مما أدى بالتالي إلى انهيار سوق الأسهم في (وول ستريت) يوم الثلاثاء الأسود، واشتعال شرارة هذه الأزمة المدمرة الكبيرة… وأزمة سنة 2008م، وهي ما تعرف (بأزمة الرهن العقاري) كان السبب الحقيقي في تهيؤ أسبابها؛ هو نتائج حرب العراق وأفغانستان، والخسائر الكبيرة التي تكبدتها أميركا في هذه الحروب؛ والبالغة حوالي( 4.79) تريليون دولار حسب تقرير (معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة) التابع لـجامعة (براون الأميركية) وذلك اعتبارًا من أحداث سبتمبر/أيلول 2001م وحتى سنة 2016م، وما زالت هذه الأزمة مستمرة ولم تخمد نارها ولم ينته شرها…
واليوم يقف العالم بأكمله على أبواب أزمة جديدة بسبب ما يجري من تسخين للأجواء، وبسبب المناكفات السياسية بين العملاقين؛ أميركا والصين، وبسبب التهديدات العسكرية من قبل رؤساء كل من كوريا وأميركا… وهذه الأزمة تشمل أمورًا كثيرة؛ أولها أسواق المال؛ لأنها بمثابة الميزان الزئبقي الذي يتأثر بشكل سريع بأية أجواء مشحونة سياسيًا أو عسكريًا. وإن كلًا من أميركا والصين تحاول اليوم استغلال موضوع الأزمة الكورية لصالحها سياسيًا واقتصاديًا. فأميركا تستغل حالة التهديد والوعيد التي تقوم بها كوريا الشمالية في نشر المزيد من قواتها في محيط الصين للتضييق عليها وتحجيمها إقليميًا، وتستغله في تعزيز نفوذها السياسي في البلاد المجاورة مثل الهند والصين وروسيا واليابان، وفي فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على كوريا بإجماع دولي، وفي اتخاذ إجراءات وعقوبات تجارية كذلك بحق الصين؛ وخاصة التعرفة الجمركية… وبمعنى آخر تستغل أميركا أجواء هذه الأزمة في عرقلة طموح الصين في الانفتاح والتمدد إلى المحيط، وفي إقامة قيود جديدة اقتصادية وسياسية على كوريا والصين معًا. وقد قامت بالفعل بإرسال المزيد من القوات العسكرية، وحاملات الطائرات العملاقة ترافقها ثلاث سفن قاذفة للصواريخ، وغواصات إلى شبه الجزيرة الكورية، كما أرسلت مدمرة صاروخية إلى بحر الصين الجنوبي، ونشرت الآلاف من الجنود في قواعدها العسكرية حول الصين، وفي كوريا الجنوبية واليابان.
أما الصين فإنها تستغل هذه الأزمة في اتجاه آخر؛ وهو كسر هيبة أميركا، وتمريغ أنفها أمام العالم بسبب تهديدات دولة صغيرة الحجم والقدرات مثل كوريا… وتستغل الأزمة كذلك في ابتزاز أميركا من أجل لجم تهديدات كوريا لها، وعدم الاستمرار في التهديد والوعيد، وتستغلها أيضًا لتأليب دول أخرى على أميركا بسبب عنجهيتها وتدخلاتها في البلاد الأخرى بشكل سافر. كما أنها قامت بإرسال آلاف الجنود، كخطوة فيها تحدٍّ لأميركا، على مقربة من حدود كوريا الشمالية.
إن موضوع نشوب الصراع العسكري المباشر بين الدول النووية؛ هو أمر مستبعد في ظل الظروف الحالية؛ إلا أن التنافس السياسي والاقتصادي هو أمر حاصل، وهو لا يقل خطورة عن الحرب الساخنة العسكرية…
والحقيقة، إن الناظر في واقع الصراع الاقتصادي بين الصين وأميركا يرى أنه قائم على قدم وساق، ويأخذ أبعادًا وأشكالًا كثيرة… فالصين عملاق اقتصادي، وتنازع أميركا اقتصاديًا؛ وخاصة أن معدل النمو عندها مرتفع، وحجم التجارة كبير حتى داخل أميركا نفسها؛ حيث تبلغ حوالي 25% من صادرات الصين (فقد ذكرت (منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية) في تقرير لها 13-12-2015م، أن الصين سوف تحل مكان الولايات المتحدة – في المرتبة الأولى – كأكبر اقتصاد في العالم بحلول 2016م، مع استمرار نموها الاقتصادي). والصين أيضًا عملاق عسكري، وإن كانت لا توازي أميركا؛ لكنها دولة عظمى، مهابة الجانب ويحسب لها ألف حساب. لقد استطاعت أميركا في العقود الماضية، بثقلها وقوتها الاقتصادية وسياساتها وتحكماتها، أن توقف طموحات الاتحاد الأوروبي في بناء قوة اقتصادية فاعلة تؤثر على هيمنة أميركا النقدية، واستطاعت أن تزعزع أسس هذا الاتحاد بتشجيعها لبريطانيا بالخروج منه، وبالتالي قضت على طموح أوروبا في الوحدة السياسية مستقبلًا، تمامًا كما استطاعت من قبل أن تقضي على طموح الاتحاد السوفياتي سياسيًا واقتصاديًا بسبب الفخاخ الدولية، وسياسة سباق التسلح، وغير ذلك من أعمال غاية في الدهاء السياسي…
واليوم تحاول الصين جاهدة الانعتاق من تحكمات أميركا الاقتصادية، وتحاول أميركا جاهدة كذلك الإطباق على الصين حتى لا تنعتق من تحكماتها؛ لأنها بانعتاقها – كما ذكرنا- تتسبب في كوارث اقتصادية لأميركا، وتقضي على تحكم الدولار (كعملة عالمية)، وتستطيع أن تتقدم شيئًا فشيئًا لتصبح دولة فاعلة في الموقف الدولي المنافس لأميركا، وفي رسم السياسة الدولية… وفي هذا مقتل أميركا. لقد أظهرت الصين محاولات عديدة من قبل للانعتاق من تبعية الدولار، وما زالت؛ فقد طرحت موضوع إنشاء عملة عالمية مكان الدولار أكثر من مرة، كان آخرها في قمة العشرين في تركيا سنة 2015م. وكان الرئيس الصيني (شي جينبينغ) قد دعا خلال افتتاح قمة مجموعة العشرين في الصين سنة 2016م إلى بناء اقتصاد عالمي مفتوح، ومواجهة ضغوط لإقامة حواجز تجارية، وهي تحاول اليوم استغلال قضية الصراع في الكوريتين لتحقيق مكاسب سياسية في إثارة الرأي العام الدولي ضد سياسات أميركا تجاه كوريا، وفي نفس الوقت تساعدها على الانعتاق من تحكماتها وشرورها. فقد ذكرت وكالة (رويترز) في 14-4-2017م تصريحًا لوزير خارجية الصين (وانغ يي)؛ دعا فيه إلى ضرورة وجود محادثات تقود إلى حل سلمي، وإلى نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية، وقال: (إن القوة العسكرية لا يمكن أن تحل الوضع في شبه الجزيرة الكورية، وإن أي طرف يؤجج الوضع في كوريا الشمالية يجب أن يتحمل المسؤولية التاريخية عن ذلك… ) إلا أن أميركا بثقلها الدولي، وبدهائها وتحكماتها السياسية والاقتصادية، واتساع دائرة نفوذها، وبمساعدة دول عديدة فاعلة في محيط الصين (مثل اليابان والهند والباكستان وروسيا وكوريا الجنوبية) تعمل على تبديد آمال الصين في الانعتاق، وفي تحقيق مكاسب سياسية، وهي ناجحة في هذا الأمر حتى الآن، وتقوم بأعمال عديدة من أجل هذا الهدف السياسي ( تحجيم الصين، وعدم انعتاقها). ومن هذه الأعمال والسياسات:
1- استخدام سياسة الترهيب والترغيب تجاه الصين؛ بخصوص قضية كوريا، وإرسال رسالة واضحة مفادها أن أميركا قادرة على تطويق أي تحرك في شبه الجزيرة الكورية، وفي بحر الصين وفي محيطها…
2- فرض قيود تجارية جديدة على الصين، والتهديد بفرض عقوبات تجاه التجارة إلى أميركا، أو عن طريق التعرفة الجمركية…
3- قيام أميركا باتباع سياسة السباق في المجال الاقتصادي والعسكري من أجل إرهاق الاقتصاد الصيني، كما فعلت من قبل مع الاتحاد السوفياتي…
4- قامت أميركا بالفعل برفع سعر الفائدة على الدولار؛ مما دفع الصين لمجاراتها في ذلك، وقد تسبَّبَ هذا بخسائر كبيرة في المجال التجاري…
5- إدخال الصين في برامج سباق التسلح، ونشر القوات خارج أرضها، وإنفاقها الكثير على هذا المجال؛ مما يؤدي إلى إرهاق اقتصادها…
وبين هذا وذاك من التجاذبات السياسية والاقتصادية، وفي ظل أجواء أزمة لم تنتهِ بعد، وهي أزمة الرهن العقاري سنة 2008م، فإن الاقتصاد العالمي اليوم بالفعل يقف على حافة أزمة عالمية جديدة؛ وخاصة أن أميركا تعاني ما تعاني من أزمة داخلية اقتصادية خانقة حيث رفعت أميركا سقف الدين الحكومي إلى 20 ترليون دولار في 30-10-2015م، وكان معدل البطالة قد بلغ إلى نسبة مرتفعة 2016م- حيث بلغ 7.5%، وتعاني من مشاكل دولية ومشاكل داخلية كبيرة في ظل حكم ترامب… وإن أول من يتأثر بهذه الأمور هي أسواق المال، وقد تأثرت بالفعل قبل أسابيع قليلة، في أجواء التسخين والتهديد باستخدام القوة ضد كوريا… وقد رأينا كيف توترت أسواق المال عندما هددت كوريا بإطلاق صاروخ في أوائل آب 2017م على (جزيرة غوام الأميركية) في المحيط الهادي فانخفض مؤشر داو جونز الصناعي 75.62 نقطة أو ما يعادل 0.34 بالمائة ، كما انخفض الدولار – رغم رفع سعر الفائدة – وارتفع سعر الذهب إلى أعلى مستوياته مقابل الدولار، وأدى إلى هزات في كل أسواق المال العالمية…
إن هذه الدول المتحكمة في رقاب العالم اليوم؛ تجلب على العالم الويلات والحروب، والفقر والحرمان؛ بسبب سياساتها الجشعة المبنية على حب المال وتكثيره بأية طريقة حتى لو أدى إلى دمار العالم. وإن الذي ينقذ العالم من هذه السياسات والتحكمات القاتلة المدمرة، وما تجره من انهيار أسواق المال، وانهيارات العملات هو:
أولًا: نظامٌ يقوم على أساس العدل والرحمة لا على أساس الجشع وحب الذات…
ثانيًا: وجود دولة مبدئية تحمل هذا المبدأ العادل بقوة، وتتحدى أميركا وشرها واستعمارها للشعوب…
ثالثًا: العمل على إيجاد نظام دولي عادل؛ كمرجعية للدول والشعوب، يحقق العدل ويرفع الظلم، ويقف أمام غطرسة أميركا، وإيجاد الرأي العام لهذا النظام بين الدول…
رابعًا: العمل على هدم هذه المؤسسات الدولية الظالمة مثل (هيئة الأمم المتحدة) وما يتفرع عنها من مؤسسات دولية تسخرها أميركا في استعباد العالم…
خامسًا: فرض نظام نقدي صحيح؛ لا يقوم على أساس منافع الدول وتحكماتها كالدولار اليوم، بل يقوم على أساس ثابت غير قابل للتحكم والتلاعب. وهذا النظام هو نظام الذهب الذي يحمل قيمته في ذاته كسلعة ونقد؛ وبهذا يستطيع العالم أن يتخلص من هذه الكوابيس والشرور، سواء أكانت سياسية أم اقتصادية، أم تهديدات بالحروب من أجل المصالح والمنافع…
نسأله تعالى أن يكرم أمة الإسلام أولًا بهذا النظام العادل؛ لتحمله بعد ذلك رسالة خير إلى جميع الشعوب، وتخلصهم من شرور هذا الوحش القاتل؛ النظام الرأسمالي والدول القائمة به. آمين يا رب العالمين
2017-10-24