المواقف السياسية الدولية في بلاد المسلمين تقوم على المصالح والعداء للإسلام
2017/10/24م
المقالات, كلمات الأعداد
5,691 زيارة
المواقف السياسية الدولية في بلاد المسلمين تقوم على المصالح والعداء للإسلام
تحت اسم “الواقعية السياسية” تغير دول العالم أجمع مواقفها السياسية من النقيض إلى النقيض بشكل لا يمكن أن يجمع المراقب السياسي بين المواقف السابقة والتالية لشدة تناقضها، وذلك بسبب تحكم الفكر الغربي البراغماتي الذي يدور مع المصالح حيث دارت؛ فحين تتضارب هذه المواقف القائمة على المصالح مع المواقف الإنسانية، أو حين تتصادم القوانين الدولية مع المواقف الإجرامية التي تقوم بها أنظمة الدول من ارتكاب المجازر، أو احتلال أراضي الغير… فإن هذه الدول تقف ظاهرًا مع الحق أو ما تفرضه القوانين الدولية؛ فتصرِّح نفاقًا أنها ضد ما حدث بينما هي في الحقيقة تدعمه بعيدًا عن الأعين، وترعاه وتؤمن له كل مستلزماته حتى ينجح، وتعرقل كل ما يواجهه من معارضة تقوم بها الدول الأخرى المنافسة لها؛ لذلك نرى أميركا مرة تقوم هي بالتغطية على الجرائم التي يرتكبها عملاؤها من الحكام بأمر منها، بينما تهاجمها الدول الأخرى المختلفة معها في المصالح، وكذلك هذا ما يحدث مع دول أوروبا؛ إذ هي كذلك تقوم بتغطية جرائم عملائها في حين تواجهها أميركا. وهذا ما يجعل هذه الدول عديمة القيم، متذبذبة المواقف، تتصف سياساتها بالتذبذب والمكر والخداع. ولنا فيما يحدث في سوريا أوضح مثال.
فمثلًا عندما قام المجرم بشار أسد بقصف المدنيين بالكيماوي في الغوطة الشرقية في شهر آب من عام 2013م وراح ضحيته ما بين 1200 و1400 من سكان المنطقة، في مشاهد مأساوية ضج العالم لبشاعتها ولقساوتها. كان موقف الولايات المتحدة متذبذبًا ظاهره النقمة، وباطنه امتصاص النقمة، فهددت بضرب النظام في عقره، واستجلبت قوات بحرية ضخمة إلى المنطقة، حتى روسيا بدا عليها الخوف من هذا الاستعداد العسكري الأميركي، وأعلن حينها وزير الخارجية الروسي لافروف أن روسيا غير مستعدة أن تدافع عن الأسد… ولكن المفاوضات من وراء الكواليس أدت إلى الاتفاق على تسليم الأسد ترسانته الكيماوية للتخلص منها، أما موضوع معاقبة الأسد على هذه الجريمة المهولة بعرف المجتمع الدولي فقد ذهب أدراج الرياح الأميركية والفيتو الروسي. وحتى موقف أوروبا الذي كان حينها واضح المخالفة لموقف أميركا، لم يكن موقفها من هذه المجزرة الموصوفة من زاوية إنسانية، بل كان بناء على رؤيتها لمصالحها، فإن كل دولة من دول أوروبا المهتمة بالشأن السوري لها سجل مليء بالمجازر، وهي عندما هاجمت الأسد إنما هاجمته من منطلق تغيير نظامه ليكون النظام الجديد تابعًا لها، أي أنها تصارع النفوذ الاميركي بنفوذ آخر لها لا يختلف عنه أبدًا.
ولعل من سخريات ما يحدث، أن هذه المجزرة الكيماوية بقيت خارج الإدانة الدولية، وهذا إن دل فإنما يدل على إفلاس المجتمع الدولي نفسه، ووجوب تغيير الحضارة الغربية التي تتحكم به، وبعبارة أخرى فإن الصراع الذي يدور في سوريا هو صراع حضاري بين حضارة الغرب الرأسمالي الذي لا دين ولا خلق ولا إنسانية لديه، وبين الإسلام دين الحق والرحمة والهداية. على هذا الأساس الحضاري تخوض أميركا ومعها دول العالم المنخرطة في الصراع معها ضد حضارة الإسلام؛ وعلى هذا الأساس يجب أن يخوض المسلمون الصراع مع هذا الغرب الرأسمالي الكافر الذي يريد أن يقود العالم بحضارته الظالمة.
من هذا المنطلق لم يكن من فراغ هجوم الغرب على فهم الإسلام الذي يطالب بإقامة الخلافة وبتحكيم الشريعة وبالجهاد… بأنه فهم أصولي يلتزم بحرفية النصوص ولا يراعي قانون التطور البشري، وفي الوقت نفسه يدعو هذا الغرب اللعين إلى فهم الإسلام على طريقته في إقصاء الإسلام عن الحكم، وقصره في المساجد، وفي علاقة الأفراد ببعضهم… وليس عن عبث اختلاق الغرب فكرة اللعب بورقة الخلافة الإسلامية وذلك لجعل شعوبه تكره الإسلام فتعرض عنه بدل الإقبال عليه كما هو حاصل اليوم، ولجعل المسلمين ضد فكرة الخلافة، ويساعدهم في ذلك حكام المسلمين، وللأسف علماء السلطة والعلماء الموظفين والمنتفعين الذين باتوا يعطون أوضح صورة عن أنفسهم أنهم علماء سوء، قد تخلوا عن ميثاق ربهم. وبذلك أصبح الفكر البراغماتي الواقعي هو المسيطر على الأذهان وفي الواقع، بمن فيهم العلماء المأجورون.
إن إدراك هذه “الواقعية السياسية” أمر لا بد منه للمحلل السياسي المسلم، ولا بد من التنبه له وعدم الوقوع في حبائله، وعدم التورط فيه. ولعله من أوضح الأمثلة على هذه الواقعية السياسية التي تطغى على سياسات الدول اليوم نتيجة تحكم الحضارة الغربية هو الموقف من بقاء الأسد في السلطة أو رحيله عنها.
فبالنسبة لموقف فرنسا من بقاء الأسد فقد كان ابتداء موقفها مؤيدًا بشدّة لرحيل بشار الأسد عن الحكم كمخرج للأزمة السورية، ولكنه انقلب إلى النقيض؛ حيث صرح الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بأنه لا يرى بديلًا شرعيًا للأسد، وأن فرنسا لم تعد تعتبر رحيله شرطًا مسبقًا لتسوية النزاع في سورية، وأن الأسد “عدو الشعب السوري لكنه ليس عدو فرنسا”… وبالنسبة لبريطانيا، قال وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون: “من مصلحة الشعب السوري أن يرحل الأسد… لكن كنا نقول إنه يجب أن يذهب كشرط مسبق. الآن نقول إنه يجب أن يذهب لكن كجزء من عملية انتقال سياسي، وبإمكانه دائمًا المشاركة في انتخابات رئاسية ديمقراطية”…. أما السعودية فقد أبلغت المعارضة السورية أنه لا خيار أمامها إلا قبول الأسد في السلطة خلال المرحلة الانتقالية، وعليها أن تنحني للضغوط الروسية بهذا الشأن… وبالنسبة إلى تركيا فقد أعلن علي يلدرم، منذ أول تعيينه في منصبه كرئيس للوزراء وبشكل متناقض لما كان يعلنه أردوغان أن تركيا مستعدة لقبول بقاء الأسد في السلطة في المرحلة الانتقالية، معلنًا بذلك بدء تغير الدور الذي تلعبه تركيا في سوريا.
أما بالنسبة إلى مواقف الولايات المتحدة من الأسد، فقد كان ظاهره المطالبة غير الجادة برحيله، فقد طالبت ابتداء برحيله، ولكن من دون أن تكون لديها استراتيجية أو أدوات داخل سورية لتحقيق هذا الهدف، كما تفعل الدول الفاعلة على المسرح الدولي اليوم، بل كانت تعمل على العكس من ذلك، فهي التي منعت الدول من إمداد المعارضة المقاتلة بالسلاح بحجة الخوف من وقوعه بيد المتطرفين؛ بينما سمحت بمدِّ الأسد بالأسلحة والمال والمقاتلين من مختلف الجهات المنافسة لها كروسيا، أو من تلك التي تدعي أنها راعية للإرهاب كإيران. وهي التي رفضت إصدار قرار بحظر قصف الطيران السوري للمدنيين، أو إيجاد مناطق آمنة يحظر فيها القصف الجوي ضدهم… وهي التي أنشأت معارضة سياسية لا سند شعبيًا لها، وكانت هذه المعارضة منفصلة عنهم في كل شيء تقريبًا، ولا أفق فكريًا وسياسيًا لها يجعلها تتفق على أهداف معينة فيما بينها، وكانت فكريًا تابعة لفكرة المصالح، أما سياسيًا فقد جعلها الغرب الذي أنشأها مفككة، فهناك الائتلاف الوطني، وهناك هيئة التنسيق التابعة للنظام، وهناك منصة القاهرة ومنصة موسكو الللتان يدل اسميهما على تبعيتهما، وهناك معارضة تتكلم باسم الأكراد. وكان بعض أفراد هذه المعارضة تابعًا للسعودية، وبعضهم لقطر، وبعضهم لتركيا، وبعضهم للنظام…
إن الناظر في موقف أميركا من الثورة السورية يرى أنها تتعامل معها تعاملًا خاصًا، فنظام الأسد هو من أهم عملائها في المنطقة، وهي ابتداء كانت تريد أن لا تخسره، وهو قام بكل إجرامه بأمر وتغطية منها. ثم إنها لما كانت الثورة عصية عليها، ولما لم تستطع أن تقضي عليها رغم كل إجرام عميلها ورغم استعانتها بكل عملائها وأذنابهم من الميليشيات… فإنها أيقنت بعدها أنها لن تستطع أن تحافظ عليه، فانتقلت إلى العمل على تأمين حاكم بديل له يكون عميلًا لها… ولما وصل حكم الأسد إلى حافة الانهيار باعتراف الرئيس الأميركي السابق السيئ الذكر أوباما، سمحت لروسيا بالتدخل العسكري المباشر، وأمرت تركيا بالتدخل العسكري في المناطق التي تعتبرها مناطق نفوذ لها، وأن تستخدم الفصائل التابعة لها في مناطق الشمال لقتال الأكراد في المناطق المحسوبة على الأكراد؛ ما جعل مدينة حلب خالية من المقاتلين؛ ما أدى إلى سقوطها، وهكذا نرى أن أميركا ليست ضد وجود وبالتالي بقاء الأسد في الحكم.
هذه هي حقيقة الموقف الأميركي من الأسد. أما المواقف التي أعلنتها فهي قائمة على الخداع والمكر. وهل غريب على أميركا أن تقف مثل هذه المواقف الماكرة المخادعة؟!. إن ما طالبت به أميركا طوال السنوات الماضية من أنه ليس أمام الأسد إلا الرحيل، وأنه لا مكان له في حكم سورية بعد قتله لمئات الألوف من شعبه وتهجيره للملايين، وإن ما أعلنه مؤخرًا الرئيس الأميركي دونالد ترامب في نيويورك أمام 130 من قادة ورؤساء الدول قائلًا: “إن استخدام بشار الأسد السلاح الكيماوي ضد شعبه، حتى الأطفال، كان صادمًا”، واصفًا الأسد بأنه “مجرم”… فهذه التصريحات وغيرها الكثير هي ذر للرماد في العيون، وهي لا تفهم على حقيقتها إذا لم تعرف حقيقة عمالة المجرم بشار، وما هي خطة أميركا التي تنفذها لتثبيت حكمه، أو الإتيان ببديل عنه إن لم تستطع.
من المعلوم أن أميركا تقوم سياستها الخارجية على الاستعمار وعلى أعمال استخباراتها القذرة، وعلى المكر والخداع والإجرام، هذا وقد بلغ إجرامها عنان السماء… ولكن من المؤسف أنها عندما يصرح أحد مسؤوليها تصريحًا يأخذه حكام المسلمين العملاء للغرب والخائنون لدينهم ولأمتهم على محمل الجد، ويتعاملون معه على أنه موقف ذو مصداقية، ويخضعون أنفسهم له، ويحسبون له ألف حساب.
من هنا لا يمكن التعامل مع المواقف الأميركية من بقاء الأسد أو رحيله، إلا من بعد معرفة حقيقة الموقف من النظام، وعندما نعلم أن هذا النظام السوري هو نظام عميل لها؛ يمكننا بعدها أن نفهم حقيقة مواقفها، وعندما نريد أن نحكم عليها لا بد من الحكم عليها من زاوية عقيدة هذه الأمة، لا من زاوية المصالح أبدًا.
من هنا نجد أن هذا التلاعب في المواقف الدولية الذي تقوم به الدول الغربية الاستعمارية مباشرة أو بواسطة العملاء يراد منه تلبيس الحق بالباطل على الناس، والمطلوب مواجهته وكشفه وتفويت الأهداف على أصحابه، ومن أجل ذلك لا بد من:
1- أن تتم متابعة السياسة الدولية والمحلية بدقة وعمق؛ وذلك لأن الدول الغربية تقوم سياستها الخارجية على الاستعمار والهيمنة السياسية على الأنظمة الحاكمة في الدول الأخرى، وجعل هذه الدول تابعة لها في سياستها، والدخول معها في الصراع الدولي. فكل دولة من دول المنطقة هي دولة تابعة لإحدى الدول الغربية من أميركا ودول أوروبا، وينسحب عليها الانخراط في الصراع الدولي. فمن لا يعرف وجهة عمالة كل دولة من دول المنطقة فإنه من الطبيعي أن لا يعرف تفسير ما يحدث، وأن تختلط عليه التحليلات، ويصبح من السهولة أن يسقط في إحدى حفر الدول المتصارعة، ويصطف مع إحدى الجهات الدولية الأكثر مكرًا.
2- إن من يريد إنقاذ أمته فعلًا من النفوذ الغربي فعليه أن يحرر نفسه أولًا من الخضوع للمفاهيم السياسية الغربية السائدة، وأن ينأى بنفسه عن المؤسسات التابعة لها؛ فلا يعترف بالأمم المتحدة كمنبر دولي محايد، ولا بقراراته، ولا بالمبعوثين الدوليين، ولا بقرارات المؤتمرات الدولية التي ترعاها الدول الكبرى المتصارعة، حتى ولا بالعقوبات التي تتخذها بحق الأنظمة المدانة، فكم من هذه العقوبات كانت صورية…
3- لا بد من تبني موقف إسلامي في كل قضية من وجهة نظر الإسلام فحسب، والتي تختلف كليًا عن تلك المفاهيم الغربية الظالمة المنحازة المتأثرة بوجهة النظر الغربية… فالمسلم لا يقبل بأنصاف الحلول، ولا بالتنازل عن قضايا المسلمين، ويجعل الأحكام الشرعية تتحكم في مواقفه.
وما يجدر ذكره هنا أن المواقف السياسية الصادقة غير الغادرة التي تقوم بها الدولة الإسلامية، والتي يأمر الإسلام بها ووضوحها هي من العلاقات الدولية التي تفتح قلوب غير المسلمين، وهي من أعمال الدعوة التي تساعد الدولة الإسلامية في تحقيق هدفها من الجهاد… فهي التي جعلت أهل طشقند يرضون بالحكم الإسلامي، ومن ثم جعلتهم يسلمون، لما حكم قاضي المسلمين بعدم أحقية دخول الجيش الإسلامي إلى بلدهم، وبالتالي أمر هذا الجيش بالخروج، ولكنهم منعوه من الخروج لأنهم صرحوا أنهم لن يجدوا أرحم منه… وهي التي جعلت أهل حمص النصارى يقاتلون إلى جانب جيش خالد بن الوليد رضي الله عنه، ضد من هم على دينهم؛ وذلك عندما أرجع لهم الجزية ؛ لأنه لم يكن قادرًا على تأمين الحماية لهم… وهكذا الأمر في آلاف المواقف التي حدثت في التاريخ مع الدولة الإسلامية، في الوقت الذي نكاد لا نجد من ذلك شيئًا في الدول الرأسمالية الطاغية.
إنه لمثل هذا الصدق، ولمثل هذه المبدئية، في تعامل الدولة الإسلامية مع غيرها، في مقابل الإجرام والمكر والجشع الذي تتصف به الدول الرأسمالية… تخشى هذه الدول من دولة الإسلام وتعمل على منعها بكل قوة… فهل يعي المسلمون هذه الحقيقة، ويخدمونها بالامتثال والطاعة، لا بالمكر والمخاتلة. قال تعالى: [فَذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلۡحَقُّۖ فَمَاذَا بَعۡدَ ٱلۡحَقِّ إِلَّا ٱلضَّلَٰلُۖ فَأَنَّىٰ تُصۡرَفُونَ ٣٢]
2017-10-24